آخر تحديث للموقع : الثلاثاء - 14 يناير 2025 - 11:02 م

عاجل/ تفاصيل تروى لأول مرة من يوميات الحرب الأهلية الدموية بعدن 13 يناير 1986م

الثلاثاء - 14 يناير 2025 - الساعة 01:37 م بتوقيت اليمن ،،،

اعداد- غرفة الدراسات والبحوث لمركز شمسان للصحافة


في يوم 13 يناير 1986م، وعند الساعة العاشرة وعشرين دقيقة صباحاً، بينما كان أعضاء الحزب الاشتراكي (المكتب السياسي واللجنة المركزية) مجتمعين في قاعة المكتب السياسي، لاحظ علي عنتر وفريقه الغياب الواضح للرئيس علي ناصر وفريقه، لكن أحداً لم يعير الأمر أهمية.

وفور دخول حراسة الرئيس علي ناصر محمد، انطلقت الرصاصات الأولى من بندقية قائد الحراسة الخاصة بالرئيس علي ناصر، وعلى ما أتذكر اسمه (حسان) ليلحق به بقية أفراد الحراسة الذين أطلقوا وابلاً من نيران رشاشاتهم داخل قاعة المكتب السياسي لتخترق هذه الرصاصات أجساد علي احمد ناصر عنتر، وصالح مصلح قاسم، وعلي شائع هادي، وعلي أسعد مثنى؛ ليلقوا مصرعهم في الحال. بينما أصيب علي سالم البيض لكنه نجا من إصابته، وكذلك عبد الفتاح إسماعيل، لكنه وفي أثناء محاولته الخروج بوساطة الدبابة التي جاءت لإنقاذه، اخترق الدبابة صاروخ مضاد لها (آر . بي . جي) مما أدى إلى احتراق عبد الفتاح إسماعيل داخلها، في مكان قريب من مقر سكرتارية اللجنة المركزية للحزب في التواهي. وكان قد شوهد في وقت تفجر الصراع أحد زوارق البحرية يقصف منزل عبد الفتاح إسماعيل.

بعد هذا الحادث بدقائق قليلة، اشتعلت نيران المعارك الضارية، في أنحاء مدينة عدن، ابتداء من داخل المعسكرات، وكانت السيطرة القتالية في الساعات الأولى من بدء الحرب لقوات الرئيس علي ناصر محمد، واستمرت السيطرة حتى اليوم التالي، لكن الموقف سرعان ما تغير عندما تحركت الدبابات من معسكر ( صلاح الدين)، لصالح مجموعة علي عنتر.

عندما تحركت الدبابات من معسكر رأس عباس في منطقة صلاح الدين لم تسر في الطريق العام الخاص بالسيارات وذلك تحسباً لأي كمائن تكون قد ترصدت لها على طول الطريق من قبل قوات علي ناصر محمد، التي كانت قد نشرت مجاميع من المقاتلين الذين سبق أن تم تدريبهم على الاستخدام المتقن لراجمات الصواريخ (R.P.G) في كل الطرقات المتوقع أن تسير فيها الدبابات لغرض تدميرها ، أو على الأقل إعطابها وإخراجها من ساحة المعركة قبل أن تصل إلى أهدافها.

الدبابات سلكت الطريق الصحراوي المؤدي من قاعدتها في رأس عباس مروراً بقرب منطقة بئر أحمد ومنها إلى الحسوة ثم إلى جولة (كالتكس) في المنصورة.

كانت سماء عدن الصافية، قد خيمت عليها سحب سوداء، يتعالى منها الدخان الكثيف المنبعث من أنحاء متفرقة في محافظة عدن، حتى كادت تحجب أشعة الشمس.

كان دوي الانفجارات يصيب الناس بالهلع والرعب إلى حد الشعور بالموت؛ صورايخ تطلق من السفن الحربية والطرادات والطائرات تقصف بكل وحشية، في معركتها مع الدبابات، والمدافع وصواريخ (الكاتيوشا) تنهمر غزيرة على رؤوس الأشهاد، لا تُفرق بين مدني وعسكري، بين منازل ومنشآت مدنية أو بين ثكنات عسكرية، قذائف المدفعية تخرق عنان سماء العاصمة من كل الاتجاهات، وبكل أنواعها الثقيلة والمتوسطة، وراجمات الصورايخ راحت تصطاد الدبابات أينما ثقفتها. ولم يقتصر الأمر على الدبابات، بل إنها راحت تطارد سيارات الإسعاف، بما تحمله من مصابين، وموتى. وزاد الأمر بشاعة أنه تم استعمال راجمات الصورايخ لضرب الأفراد، في صورة دموية لم تألفها جميع حروب البشرية من قبل. أما منظر القنابل اليدوية، وهي تتفجر وطلقات الأسلحة الآلية تلعلع بغزارة، وخزانات وقود الزيت وهي تنفجر وتحترق، وتسيل في الطرقات كالحمم البركانية، تلتهم كل ما تقابله أمامها من بشر وشجر وجماد، كل ذلك، بات بعد اليوم الأول للحرب أمراً مألوفاً.

لقد توقع مشعلو الحرب أن يكون وقتها قصيرا ولن يتجاوز مداه الست ساعات، وأن الأضرار ستكون محصورة داخل نطاق اللجنة المركزية. وفي أسوأ الحالات ستمتد لتشمل منطقة (الفتح) المحاذية لها. لكن توقعاتهم لم تكن صائبة مطلقاً، فالحرب امتدت لأيام وأيام، وآثار تدميرها تجاوزت مدينة عدن إلى كثير من المحافظات، لكن عدن نالت نصيب الأسد من الدمار، فكانت الصورة: مستودعات المواد الغذائية والكمالية تحترق بما فيها، محطات تعبئة الوقود تتفجر وتحترق منازل ووزارات وإدارات تدمر وتحرق بكل محتوياتها، مستودعات أسلحة وذخائر الجيش في جبل حديد تُضرَب بالصواريخ، وتحترق بما فيها الذخائر والصواريخ بكل أنواعها داخل جبل حديد، وبفعل شدة النيران تتفجر، وتطير عشوائيا إلى أنحاء متفرقة من أحياء عدن (كريتر المعلا التواهي خورمكسر) حتى خزانات كالتكس الخاصة بـ (المازوت) لحقت بها أضرار كبيرة.

المعارك باتت في قمة ضراوتها، والقتل بالجملة، وبحسب البطاقة الشخصية في جميع النقاط المقامة على المنافذ المهمة في مداخل ومخارج الطرقات الرئيسة.

بعد ظهر اليوم الأول، أحد الزوارق الحربية يقصف الدبابات القادمة إلى مدينة التواهي بجانب خزانات الوقود الثقيل (المازوت). الدبابات تتجاوز القصف وتدخل مدينة التواهي، وتصل إلى منطقة الفتح مقر اللجنة المركزية للحزب.

في تمام الساعة الثالثة والنصف عصراً من أول يوم للمعارك، إحدى الدبابات التي نجحت في التسلل إلى منطقة التواهي تقصف مبنى الإذاعة والتلفزيون قبل أن يكمل مذيع التلفزيون (محسن محمد ) قراءة بيان مهم عن الحرب صادر عن فريق علي ناصر محمد.

جاء الليل وظن الناس أن القتال سيهدأ وستخف حدته، لكنه ظل على حدته طوال الليل، وباتت سماء عدن مضاءة من شدة القصف وغزارة الانفجارات، وأمست غالبية السكان يستمعون إلى ما تتناوله وكالات الأنباء الأجنبية والعربية بوساطة المذياع حتى طلع الصباح.

*تنبيهٌ:* هذه المذكرات وما يليها تأخذُ لُبَّ الكلامِ من مُذكّرات اللواء المتقاعد / محمد قاسم بن عليو ، الذي وثَّق سيرته النضالية قبل رحيله عن الدنيا ووثَّق تاريخ الجنوب وأهم أحداثه التي عاشها وعايشها وشارك فيها منذ عام 1952 حتى عام 1990م، وأعادت غرفة الدراسات والبحوث لمركز شمسان للصحافة صياغة المذكراتِ بعباراتٍ موجزةٍ تتوافقُ مع مضمون النص الأصلي للمذكرات.




متعلقات