آخر تحديث للموقع : الخميس - 02 يناير 2025 - 03:06 م

ضرائب القات تتحول إلى أداة لتمويل الحرب بدلاً من دعم الخزينة العامة

الإثنين - 30 ديسمبر 2024 - الساعة 01:51 م بتوقيت اليمن ،،،

خاص

‏اكتشف تحقيق استقصائي عن واحدة من أهم طرق تمويل الأطراف المتصارعة في اليمن لأنشطتهم ونزاعاتهم، إذ ينهب عسكريون ضرائب مبيعات القات، ويتصرفون بها كما يشاؤون، ما يكبّد الخزينة العامة خسائر كبيرة.

- يدفع بائع القات وليد الحبشي ثلاثة آلاف ريال يمني (1.5 دولار أميركي وفق سعر الصرف في مناطق الحكومة الشرعية) ضريبة عن الكيلو الواحد لعسكريين في نقطة منطقة الهنجر، جنوب غربي مدينة تعز، كما يفعل غيره من الباعة، بينما كان يفترض جمعها بواسطة مُحصلي الضريبة في مناطق محافظة تعز الخاضعة للحكومة الشرعية، وفق عقد مبرم مع مكتب الضرائب في المحافظة الواقعة جنوب غربي البلاد، كما يقول متعهد جمع الضرائب، عبده أحمد الجابري، لـ"العربي الجديد": "يستولى العسكريون على نقاط التحصيل ويطردون المحصلين، ليجمع قيادات في الألوية التابعة لمحور تعز العسكري ضريبة القات، عبر نقاط مثل الهنجر والسمسرة (تبعد 50 كيلومتراً جنوب مدينة تعز)".
‏بسبب الخسائر الكبيرة، تقدم الجابري في 28 مايو/أيار 2024، بشكوى إلى مدير عام الضرائب بمدينة تعز، بعد طرد المحصلين التابعين له من قبل القيادات العسكرية المذكورة في وثيقة حصل عليها "العربي الجديد"، وبعد تجاهل الأمر، كرر الشكوى في 16 سبتمبر/أيلول الماضي.

وتتعاقد مصلحة الضرائب مع متعهدين لتحصيل ضريبة مبيعات القات، وتلزمهم بتسليم مبلغ محدد، كما يقول الجابري الذي يتوجب عليه دفع 15 مليوناً و200 ألف ريال (7.800 دولار) لمكتب الضرائب يومياً، وزاد المبلغ ابتداء من سبتمبر الماضي إلى 20 مليون ريال (10.256 دولاراً) في اليوم، إلا أن استيلاء العسكريين على ضريبة مبيعات القات، جعله عاجزاً عن الوفاء بالتزاماته اليومية، وهو ما تؤكده مذكرة تحمل رقم 431، وجّهها في التاسع والعشرين من سبتمبر الماضي، مدير عام مكتب الشؤون القانونية (تابع لوزارة الشؤون القانونية وحقوق الإنسان بالحكومة الشرعية) أمين سيف فتح، إلى مدير عام مكتب الضرائب التابع لوزارة المالية، مطالباً "بسرعة اتخاذ الإجراءات اللازمة لاستعادة الضريبة، وفقاً لما جاء في المذكرة المرفوعة من قبل مدير عام مكتب مالية تعز رقم 2191 بتاريخ 23 من الشهر ذاته، بعد بلاغ متعهدي تحصيل ضريبة القات بقيام جهات عسكرية نافذة بإيقاف المتحصلين، والاستيلاء على ضريبة مبيعات القات".

و"للأسف تستخدم أموال ضريبة القات التي تستحوذ عليها قيادات عسكرية من الأطراف المتصارعة، في تمويل المعارك التي تندلع بينها وبين بعضها، ما يطيل من الفوضى وعدم الاستقرار في البلاد"، كما يقول لـ"العربي الجديد" أستاذ علم الاقتصاد في جامعة تعز، التابعة للحكومة الشرعية، الدكتور محمد قحطان.

الضرائب إلى جيوب المتنفذين منذ تحرير مناطق وسط مدينة تعز من قبضة الحوثيين في نهاية عام 2015 عملت فصائل المقاومة الشعبية التي أُدمجت في الجيش، التابع للحكومة الشرعية، على تحصيل ضريبة القات، وفق مصادر التحقيق، وهو ما يؤكده محمد عثمان السبئي، المدير العام السابق لفرع مصلحة الضرائب بمحافظة تعز، الخاضعة للحكومة الشرعية، قائلا في مذكرة موجهة إلى الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة الحكومي في 24 يونيو/حزيران 2021 إن "ضريبة القات تذهب إلى جيوب المتنفذين".

وفي محاولة لمنع الاستيلاء على إيرادات ضريبة القات، خصصت السلطة المحلية بالمحافظة مبلغاً يومياً من ضريبة القات لمحور تعز العسكري، بحسب وثيقة محضر اجتماع موقع بين الطرفين في السادس من يوليو/تموز 2021، ونص في فقرته الخامسة على أن "مدير عام الضرائب يلتزم عبر متعهد تحصيل ضريبة القات، وبعد سحب جميع النقاط العسكرية المخالفة التي تقوم بتحصيل ضريبة القات بتوريد مليوني ريال (ألف دولار) يومياً إلى حساب محور تعز العسكري في البنك المركزي".

لكن فشلت المحاولة، واستمرت قيادات في محور تعز العسكري، بالاستيلاء على ضريبة مبيعات القات، وفق ما تؤكده الوثائق التي حصل عليها "العربي الجديد"، ومنها مذكرة موجهة من مدير عام مكتب الضرائب، أنور يحيى عبد الواحد، في 17 سبتمبر 2024، إلى وكيل محافظة تعز للشؤون المالية والإدارية وتنمية الموارد خالد عبد الجليل، بقيام جهات عسكرية في 16 سبتمبر، بإيقاف المتعهدين عن تحصيل ضريبة مبيعات القات وحجز سيارات نقل القات وأصحابها وإلزامهم بسداد المبالغ الضريبية إليها، "الأمر الذي يؤكد بقاء المشكلة قائمة رغم المعالجات التي جرى اتخاذها من اللجنة المكلفة من قبل المحافظ كحل نهائي لهذه المشكلة في الوقت الذي كنا قد استبشرنا خيرا من توقف تلك الأفعال والتصرفات غير المقبولة في ظل انعدام الإجراء المناسب لإيقافها بما يكفل لمكتب الضرائب القيام بواجباته ومسؤولياته وأداء أعماله في تحصيل الموارد العامة للدولة".

وطالبت المذكرة رقم 584، بوضع الحلول والمعالجات بما يكفل ويحافظ على تحصيل المال العام، حتى لا يضطر المكتب إلى رفع الموضوع لوزير المالية لاتخاذ الإجراءات اللازمة حيال ذلك، لكن في الثاني والعشرين من سبتمبر وجّه مدير عام مكتب وزارة المالية مذكرة برقم 9121 إلى محافظ المحافظة ورئيس المجلس المحلي نبيل عبده شمسان، عطفاً على ما ورد في المذكرة رقم 584 بشأن الاستيلاء على ضرائب مبيعات القات من قبل جهات عسكرية، وطالب باتخاذ الإجراءات الكفيلة بتنفيذ توجيهات وزارة المالية بالمذكرة رقم (1515/1) بتاريخ 18 يوليو 2024 والعمل على حماية المال العام وفقاً للنظام والقانون.

وفي 30 سبتمبر وجّه مدير عام مكتب الضرائب، أنور يحيى عبد الواحد، مذكرة رقم 600 إلى مدير عام مكتب الشؤون القانونية والتي حددت الجهات العسكرية التي تتحصل على ضريبة مبيعات القات وفق شكاوى ثلاثة متعهدين بتحصيل الضريبة، وهذه الجهات العسكرية هي اللواء 21 ميكا بمدينة تعز، ولواء النصر في الساحل الغربي، واللواء 35.

ويعلق مصدر في السلطة المحلية، بمحافظة تعز، على ما سبق بالقول: "في كل مرة تجري مخاطبة قيادة المحور العسكري بمحافظة تعز بعدم التدخل في عمل المتعهدين وتحصيل ضريبة القات بدلاً عنهم، تحدث استجابة لأشهر قليلة ثم تعود قيادات الألوية التابعة له بتحصيل الضريبة مجدداً".

تمويل المتحاربين تمول الأطراف المتحاربة قطاعاتها العسكرية، بالاستيلاء على إيرادات ضريبة القات، كما يقول الدكتور قحطان، مضيفاً: "هذه الأموال ضرورية لبقاء الفصائل المسلحة، خاصة جماعة الحوثي، لأن الكتلة السكانية الأكبر وأماكن زراعة نبتة القات تتركز بشكل رئيسي في المناطق الواقعة تحت سيطرتها".

قيادات عسكرية في محور تعز تستحوذ على ضريبة القات

وأدى الأمر إلى تدن كبير في تحصيل ضريبة القات، إذ لاحظ الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة الحكومي، في تقريره عن مبيعات القات خلال أعوام 2018 و2019 و2020 الصادر في يناير/ كانون الثاني 2022، عدم واقعية الحصيلة الفعلية للضرائب مقارنة بالمبيعات، إذ ثبت وقوع تراجع واضح للمتوسط اليومي لقيمة كميات القات التي جرى تحصيل الضريبة عنها في محافظة صنعاء، بمتوسط 3.8 ملايين ريال (7.169 دولاراً وفق سعر الصرف في مناطق الحوثيين)، بينما كان يفترض أن تكون 19 مليون ريال (35 ألف دولار) في اليوم الواحد"، بحسب التقرير المنشور على موقعه الرسمي، وهو ما يؤكده حمزة السعيدي، مدير مركز الإعلام الرقابي في الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة في صنعاء: "من خلال قياس الوعاء الضريبي وجدنا اختلالاً في عملية التحصيل، سببه المتعهدون بتحصيل الضريبة، إضافة إلى عدم متابعة مكتب الضرائب في صنعاء للمتعهدين وإلزامهم بتوريد المبالغ أولاً بأول"، مؤكداً وجود فساد في عملية تحصيل ضريبة القات، وتخلف العديد من متعهدي الضريبة في توريد المبالغ الى خزينة الدولة.

ويرد مصدر في وزارة المالية، التابعة لحكومة الحوثيين، بالقول: "لا نستطيع إجبار المحصلين على دفع الإيرادات في بعض مراكز التحصيل، طالما أن عسكريين يستولون على ضريبة القات"، مشيراً إلى وقوع خلافات متكررة على الأموال بين عسكريين ومتعهدي تحصيل ضريبة مبيعات القات في بعض مراكز التحصيل على الأموال.

لكن مسؤولاً سابقاً في مصلحة الضرائب بصنعاء، يؤكد لـ"العربي الجديد" أن جماعة الحوثي تعاقب من يستولي على إيرادات الضرائب، إذ أوقفت خمسة متعهدين خلال الفترة بين الرابع من أكتوبر/تشرين الأول 2020 وحتى 18 يناير 2021. ويقول المسؤول الذي فضل عدم ذكر اسمه حفاظاً على أمنه الشخصي، كونه يعيش في منطقة تسيطر عليها الجماعة، إن كل إيرادات مؤسسات الدولة التي تسيطر عليها تستخدم لجميع الأغراض بما فيها العسكرية.

تتفق إفادة المصدر، مع تقرير فريق الخبراء المعني باليمن الصادر عن مجلس الأمن في 11 أكتوبر 2024، الذي أوضح أن "جزءاً كبيراً من إيرادات قطاع الاتصالات، والرسوم الجمركية يستخدمه الحوثيون لأغراض عسكرية، بما في ذلك لشراء معدات الاتصال ذات الاستخدام المزدوج (تستعمل في مجالات مدنية أو عسكرية)".

غياب المعالجات الحكومية قبل الحرب، دأبت الحكومات المتعاقبة على الاستفادة من إيرادات الضرائب، ومنها ضريبة مبيعات القات لتمويل ودعم السياسات التنموية للبلاد في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، والارتقاء بجودة الخدمات العامة، وتعزيز البنية التحتية، كما يقول المدير العام السابق لمكتب ضرائب محافظة إب التابع لمصلحة الضرائب بحكومة الحوثيين وسط البلاد، عبد الإله المفتي لـ"العربي الجديد".

الحكومة الشرعية عاجزة عن تأمين رواتب الموظفين والحوثيون لا يدفعون

إلا أن "كل ما سبق تفتقده البلاد حالياً"، كما يضيف الدكتور قحطان، مؤكداً أن معالجة هذه القضية لا تتطلب تعطيل تدفقات الإيرادات هذه للعسكريين فحسب، بل لا بد من معالجة الفساد الذي يمنع الحكومة الشرعية من استعادة هذا المصدر الأساسي ضمن إيرادات المالية العامة، والاستفادة منه لدعم الخدمات العامة والرواتب.

و"تعجز الحكومة الشرعية عن تأمين رواتب الموظفين، والحوثيون لا يدفعون"، كما يقول أحمد القاسمي الموظف في وزارة الإدارة المحلية الخاضعة لسيطرة الحوثيين، والذي لجأ إلى مناطق الحكومة الشرعية في محاولة لإدراج اسمه ضمن موظفي الوزارة بعدن، لكنه فشل، كما يقول، مضيفا بغضب: "يتعلل المسؤولون بعدم وجود موارد كافية لتأمين رواتب جميع موظفي الدولة، فيما تُنهب إيرادات الدولة في صنعاء وعدن".




متعلقات